كيف تكسب الأصدقاء و تؤثر في الآخرين
لعلك قرأت أو سمعت عن هذا الكتاب الأشهر في حياة البشرية و الذي يقول عنه النقاد انه اشهر الكتب بعد الكتب السماوية ! ويعد صاحبه ديل كارينجي من أفضل من كتب في هذا المجال - مجال العلاقات البشرية - و ستفاجئ وأنت تقرأ الكتاب كيف انه كان قريبا جدا في كثير من الأحيان من تشريعات القرآن و السنة النبوية الشريفة .
دعتا نتجول في الكتاب ونتعلم بعض المهارات اللازمة لنكون أشخاصا ناجحين اجتماعيا : المهارة الأولي التي يتحدث عنها الكتاب هي بعنوان اجن العسل و لا تحطم الخلية وفيها يرشدك ديل كارينجي إلي انك تستطيع الحصول علي ما مبتغاك من الآخرين دون أن توجه سهام نقدك الجارحة إلي قلوبهم فلا تترك سوي جرحا نازفا قلما يندمل و يضرب علي ذلك أمثلة كثيرة يوضح مجملها أن اغلب الناس حين يرتكبون خطأ ما فهم يرتكبونه و هم يعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم يفعلون الشيء الصحيح وعلي هذا فإن اللوم والعتاب لن يترك سوي الشحناء في النفوس ويختم الكاتب هذا الفصل بحكمة جميلة " "لا تتبرم بالجليد المتراكم علي عتبة جارك ... قبل أن تزيل الجليد المتراكم علي عتبتك" . "
وإذا نظرنا في سيرة النبي صلي الله عليه و سلم و الذي سبق ديل كارينجي بمئات السنين سنجده أول من عاش بهذه القاعدة و تروي لنا الأحاديث الكثير من مواقف النبي صلي الله عليه و سلم التي استبدل فيها سهام النقد بكلمات الحب أو حتى بالصمت !! فهذا هو انس بن مالك رضي الله عنه يقضي في خدمة النبي صلي الله عليه و سلم عشر سنين ما يسمع فيهما كلمة لوم و لا عتاب منه صلي الله عليه و سلم علي ما يكون منه من تقصير في خدمته صلي الله عليه و سلم يقول سيدنا انس" "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي : أف ، ولا : لم صنعت ؟ ولا : ألا صنعت"" (البخاري ) بل انك لتعجب من قدرته صلي الله عليه و سلم علي ضبط نفسه و حسن توجيهها فها هو النبي صلي الله عليه و سلم مع سيدنا انس أيضا لكنه كان حينئذ أنيس الطفل الذي يخدم في بيت النبي فيصيبه ما يصيب الصبيان من حب اللعب فيقرر أن يؤجل ما عليه من أعمال لما بعد اللعب فانظر كيف تعامل معه نبي الرحمة يقول سيدنا انس ""كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أحسن الناس خلقا ، فأرسلوني يوما لحاجة ، فقلت : والله ! لا أذهب – وفي نفسي ، أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم . قال : فخرجت ، حتى أمر على صبيان ، وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قابض بقفاي من ورائي ، فنظرت إليه وهو يضحك فقال : يا أنيس ، اذهب حيث أمرتك . قلت : نعم ! أنا أذهب يا رسول الله . قال أنس : والله لقد خدمته سبع سنين - أو تسع سنين – ما علمت قال لشيء صنعت : لم فعلت كذا وكذا ، ولا لشيء تركت : هلا فعلت كذا وكذا ( ابوداود) ""
بل انه صلي الله عليه و سلم كان يقابل العنف في الفعل من زوجاته بنفس رقيقة كالبلسم لا يعاتب و لا يلوم وكأنه فداه أبي و أمي الطبيب الذي يعرف خبايا النفوس فلا يسكب الزيت علي النار و إنما يحتوي الموقف و لا يصعد المشكلة حتى تثوب النفوس و تقر القلوب واقرأ معي هذا الحديث الذي يرويه أيضا سيدنا انس في صحيح البخاري و لتتعجب من فعله و أسلوبه في التوجيه و الإرشاد يقول انس" "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة ، فضمها وجعل فيها الطعام ، وقال : ( كلوا ) . وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة !! ""
وهكذا نري أن هذا النبي صلي الله عليه و سلم جاء ليعلم الإنسان حيث كان آداب السلوك و قواعد التعايش ومهارا ت النجاح التي يحرص أن يتحلى بها من يريد أن يكون إنسانا اجتماعيا محبوبا من الناس و مقبولا عند الله