عدد الرسائل : 24 العمر : 47 تاريخ التسجيل : 06/06/2008
موضوع: كيف تكون قطبا جاذبا - 2 الثلاثاء 17 يونيو - 7:47:22
تحدثنا في المرة السابقة عن القاعدة الذهبية الأولي للنجاح في المجتمع وهي تجنب لوم الأشخاص و عتابهم علي ما اقترفوه من خطأ و رأينا النبي صلي الله عليه و سلم كيف كان يحيا بهذه القاعدة مع زوجاته و مع أصحابه حتى و صفه سيدنا انس بن مالك بأنه : أحسن الناس أخلاقاً . واليوم نتحدث عن القاعدة الثانية و هي (( التحفيز و التقدير)) ويستشهد ديل كارينجي بمقولة أحد العلماء وهو "جون ديوي" حيث يقول " أعمق دافع للعمل عند الإنسان هو أن يكون شيئا مذكورا ....!!" ثم يبدأ الكاتب في سرد أمثلة توضح كيف كان التحفيز والتقدير و التشجيع هو كلمة السر في نجاح بعض الشخصيات ، من هذه الشخصيات مدير احد مصانع الحديد و الصلب كان يتقاضى راتبا قدره مليون جنيه في السنة - في وقت نشر الكتاب - ولما سئل ما هي معلوماتك النادرة عن صناعة الصلب ؟ قال : ليس الكثير !! ولكني اعتبر مقدرتي علي بث الحماسة في نفوس الناس هي أعظم ما املك !! . تعالوا نبحث في سيرة النبي الأكمل صلي الله عليه و سلم هل كان يحرص علي تحفيز أصحابه و بث الحماسة في نفوسهم ؟ هل كان يهتم بتشجيع الصحابة رضوان الله عليهم و تقديرهم و زرع الثقة فيهم ؟ يروي لنا الإمام الترمذي في سننه هذا الحديث الذي يبين لنا كيف جمع النبي صلي الله عليه و سلم كوكبة من أصحابه في مشهد رائع لبث الثقة و التقدير و التحفيز قلمّا تجد مثله من قائد أو مربي أو معلم . يروي عنه صلي الله عليه و سلم انه قال : (أرحم أمتي بأمتي : أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله : عمر ، وأصدقهم حياء : عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله : أبي بن كعب ، وأفرضهم : زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام : معاذ بن جبل ، ألا وإن لكل أمة أمينا ، وإن أمين هذه الأمة : أبو عبيدة بن الجراح) . هكذا اعطي النبي لكل صحابي حقه و قدره و نحت له بين اصحابه مكانة مرموقة و هو في هذا كله لا يبخس حق احد لصالح احد وانما يحفز كل شخصية بما فيها من عظيم الصفات ولهذا خرج لنا هذا الجيل الفذ الذي فتح الله به قلب الأبيض و الأسود في مشارق الأرض ومغاربها . ولم يكن هذا نادرا او عارضا في سيرة النبي صلي الله عليه و سلم بل ان كتب السنة لتشهد بأنه كان الأسلوب الأمثل للنبي في تربية اصحابه حتي في اصعب المواقف وفي المعارك و تحت صليل السيوف فهاهو القائد الملهم من ربه يحفز جنوده في ساعة المعركة فيقول فيما يرويه سيدنا سلمة بن الأكوع عن النبي صلي الله عليه و سلم انه قال صبيحة يوم الحديبية : (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة . وخير رجالتنا سلمة ) قال : ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس وسهم الراجل . فجمعهما لي جميعا . ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء .) (مسلم) ونلاحظ هنا ان النبي لم يستعمل نوعا واحدا فقط من التحفيز بل كان ينوع في مظاهر التحفيز والتقدير فبينما استخدم التحفيز اللفظي في قوله صلي الله عليه و سلم (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة . وخير رجالتنا سلمة) نراه يستخدم ايضا التحفيز المادي في جمعه لسيدنا سلمة نصيب سهمين من الغنيمة بل وزاد علي ذلك التحفيز المعنوي الذي يفوق عند بعض الناس كل تقدير و تحفيز ونعني بالتحفيز المعنوي هنا : ارداف النبي صلي الله عليه و سلم للصحابي خلفه علي ناقته و في ذلك شرف و أي شرف . فهل تراك ممن يجيد استخدام هذه المهارة في تعاملك مع الأخرين ام انك تجيد فقط التوبيخ عند الخطأ و التعنيف عند الإهمال ثم يلجم فمك عندما تري شيئا ايجابيا فلا تعطي صاحبه حقه من التقدير و التحفيز ؟ ولكي نعلم ان هذا الاسلوب كان يستخدمه النبي صلي الله عليه و سلم لتوجيه أصحابه إلي ما يريده منهم ليكونوا خير هذه الأمة تعالوا نعرف ما وجه به عبدالله بن عمر حيث قال (نعم الرجل عبد الله ، لو كان يصلي بالليل ) . قال سالم : فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا .) (البخاري) بل لم يكن النبي يقدر الأشخاص فقط وانما ذهب في تقديره الي تقدير الشعوب و الأمم وكلنا يعرف حبه للأنصار و كيف انه وجه غضبتهم يوم حنين - حين أعطي حديثي العهد بالإسلام من الغنائم الشئ الكثير و لم يعط الأنصار وهم من هم في الإسلام وفي السبق اليه - فحزن الأنصار لكن النبي صلي الله عليه و سلم رد اليهم قلوبهم بعد ان ملئت نورا و رضا بكلمات لا يقولها الا محمد صلي الله عليه و سلم .. لا ليس بكلمات فقط و انما بوعد وعده النبي علي نفسه حيا و بعد مماته حين قال (( المحيا محياكم و الممات مماتكم )) تعالوا نستمع القصة ) لما أصاب رسول الله الغنائم يوم حنين ، وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم ، ولم يكن في الأنصار شيء منها ، قليل ولا كثير ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم : لقى – والله – رسول الله قومه . فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم ؟ قال : فيم ؟ قال : فيما كان من قسمك هذه من الغنائم في قومك وفي سائر العرب ، ولم يكن فيهم من ذلك شيء . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين أنت من ذلك يا سعد ؟ قال : ما أنا إلا امرؤ من قومي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمع لي قومك في هذه الحظيرة فإذا اجتمعوا فأعلمني ، فخرج سعد فصرخ فيهم فجمعهم في تلك الحظيرة . . . حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه ، فقال : يا رسول الله اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا معشر الأنصار ألم آتكم ضلالا فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ ؟ ؟ قالوا : بلى ! قال رسول الله : ألا تجيبون يا معشر الأنصار ؟ قالوا : وما نقول يا رسول الله وبماذا نجيبك ؟ المن لله ورسوله . قال : والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم : جئتنا طريدا فآويناك ، وعائلا فآسيناك ، وخائفا فأمناك ، ومخذولا فنصرناك . . . فقالوا : المن لله ورسوله . فقال : أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا ، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام ! ! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ . فوالذي نفسي بيده ، لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار . فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم . وقالوا : رضينا بالله ربا ، ورسوله قسما ، ثم انصرف . . وتفرقوا . . . ( (الالباني)
وهكذا عالج النبي صلي الله عليه و سلم الأثر السلبي للحدث و تم توجيهه توجيها ايجابيا عن طريق التقدير فبالله كيف يكون رد فعل قلوب الانصار و هم يسمعون مثل هذا الكلام الذي يذوب له الصخر أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم ؟ . فوالذي نفسي بيده ، لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار . اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار) .
وبذلك نخلص الي القاعدة الذهبية الثانية لكل قائد و مربي و مسئول وهي ان تقدير الأفراد هو طريقك لكسب قلوبهم وانجاز اعمالهم .