الصلاة فريضة على كلِّ مؤمن، وأهم الأركان بعد الشهادتين، كذلك فهي أول ركن يُطالَب به الابن بعد الشهادتين، كذلك فهي أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة، وهي صلةٌ بين العبد وربه؛ فإذا أضاعها العبد قطع الصلة بينه وبين ربه، وهي عماد الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله".
ولهذا كان تعويد الطفل على الصلاة هدفًا حيويًّا في التربية الإيمانية للطفل؛ لأنه إذا صَلُحت صلاته صَلُح سائر عمله.
وهنا يجدر أن ننبه إلى أن الطفولةَ ليست مرحلة تكليف، إنما مرحة إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ، فيسهل على الطفل أداء الواجبات والفرائض وتنظيم أموره؛ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من ناشئ ينشأ على العبادة حتى يدركه الموت إلا أعطاه الله أجر تسعة وتسعين صدِّيقًا" (رواه الطبراني)، وأيضًا من السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "شاب نشأ في طاعة الله".
لذلِك نحب أن نلفت نظر الأم إلى أنها قدوةٌ لأبنائها في الصلاة، ومدى اهتمامها بها سيتأثر الابن بذلك
مراحل الصلاة
أولاً: مرحلة تشجيع الطفل على الوقوف في الصلاة:
مجرد الوقوف فقط؛ وذلك عندما يعي الطفل أنها صلاة ويعي بعض الأمور الأخرى ويعلم يمينه من شماله؛ فعندها يطلب منه الوالدان الوقوف معهما في الصلاة، وتقريبًا ابتداءً من ثلاث سنوات أو قبلها أو بعدها بقليل.
روى الطبراني عن عبد الله بن حبيب- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عرف الغلام يمينه من شماله فمروه بالصلاة".
ونلاحظ أن الطفل في هذا السن يحب أن يقلِّد؛ فإذا كانت أمه حريصةً على الصلاة وعلى دعائها له لوقوفه بجوارها فسوف يفعل مثل ما تفعل هي ويتعلَّم الصلاة دون جهدٍ في تعليمه لها.
ثانيًا: مرحلة قبل السابعة:
وهي مرحلة الإعداد للصلاة والتدريب عليها، وتشتمل:
1- تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة، مثل أهمية التحرُّز من النجاسة، كالبول وغيره، وكيفية الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة (ذكر الدعاء، والدخول بالرجل اليسرى، وعدم الكلام، والخروج باليمنى، وذكر الدعاء بعد الخروج)، وضرورة المحافظة على نظافة جسمه وملابسه، وعلاقة الطهارة بالصلاة وما يبطل الوضوء (النوم، خروج ريح، قضاء الحاجة).
2- تحفيظ الطفل سورة الفاتحة وبعض السور القصيرة؛ استعدادًا للصلاة وحتى يصليَ بها.
3- تعليمه الوضوء وتدريبه عليه عمليًّا، كما كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم مع أبنائهم، ويمكن أن نبدأ معه في الصيف وهو يحب استعمال المياه دون إسراف، وأفضل من البدء في فصل الشتاء والماء بارد فيستثقل الوضوء.
4- وقبيل السابعة نبدأ بتعليمه الصلاة وتشجيعه على أن يصليَ فرضًا أو أكثر يوميًّا، مثل صلاة الصبح قبل ذهابه إلى المدرسة وصلاة الظهر أو العصر؛ وذلك حتى لا نطالبه في سن السابعة بالفرائض الخمس جملةً واحدةً، فتندرج معه حتى يصليَ الصلوات الخمس.
5- تعليمه مفسدات الصلاة وسجود السهو.
ولا بد أن يُثاب الطفل على كل تقدُّمٍ في هذا المجال بالإثابة المعنوية؛ وذلك بالدعاء له بالخير أو دعوة محبَّبة له "بارك الله فيك..."، كذلك بالهدايا البسيطة.
نذكِّر بأهمية اصطحاب الطفل إلى صلاة الجمعة بعد أن نُعلِّمه آداب المسجد، ونتأكَّد من طهارته، الهدوء والإنصات..؛ فبذهابه إلى المسجد:
- يعتاد الطفل إقامة هذه الشعائر.
- يشعر ببداية دخوله في المجتمع واندماجه فيه.
6- اصطحابه لصلاة العيد؛ لما فيها من بهجة، وتعليمه التكبير وإحياء سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في العيدين، وتعليمه كيفية صلاة العيد.
ثالثًا: مرحلة ما بين السابعة والعاشرة:
الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" (رواه الحاكم وأبو داود).
يتعلَّم الطفل هذا الحديث ويُعلَّم أنه قد بدأ مرحلة المواظبة على الصلاة؛ لهذا ينصح بعض المربِّين أن يكون يوم بلوغ الطفل السابعة من عمره حدثًا مميزًا في حياته، وقد يحتفل به البعض ببعض الحلوى وبرنامج للحفلة إسلامي، وتسمَّى حفلة الصلاة، وقد تكون بديلاً عن الاحتفال بأعياد الميلاد، كذلك يمكن عمل حفل بسيط للنجاح والتفوق الدراسي.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
فلا بد أن نصبر خلال فترة الأمر بالصلاة ثم الضرب عليها، وهي ثلاث سنوات التي خصَّصها الرسول- صلى الله عليه وسلم- لتأصيل أمر الصلاة لدى الطفل؛ فعلينا أن نكرِّر طلب الصلاة من الطفل باللين والرفق والحب.
وبنظرةٍ حسابيةٍ نجد أن عدد أوامر التكرار قد تصل خلال هذه الفترة إلى (5 × 365) × 3 سنوات= 5475 مرةً، بلا يأس أو قنوط؛ فهذا الرقم الضخم يوضِّح لنا أهمية التكرار في العملية التربوية عامة؛ لأن الطفل قد لا يستجيب للأمر بسرعة، ولكن بعد فترة، خاصةً إذا كان شغوفًا باللعب، محبًّا للحركة، ويمكن قبل دخول وقت الصلاة أن ننبِّههم لها حتى ينهوا ما في أيديهم من لعب أو مذاكرة ويستعدوا للصلاة.
يوجِّه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الآباء إلى أهمية مبدأ التكرار مع الأطفال، فيقول: "عوِّدوهم الخير؛ فإن الخير عادة" فالطفل ينشأ على ما عوَّدناه عليه.
وخلال هذه الفترة يتعلَّم الطفل أحكام الطهارة والصلاة وصفة صلاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، وسيظل الوالدان هما القدوة العملية أمام الطفل دائمًا.
رابعًا: مرحلة الأمر بالصلاة والضرب عليها:
من الضروري أن نكرِّر دائمًا في المرحلة السابقة على مسمع الطفل حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي حدَّد الضرب بعد العاشرة؛ وذلك تحذيرًا له من الانصياع وراء الشيطان.
فإذا ما أصرَّ الولد بعد ذلك على عدم المداومة على الصلاة فلا بد أن يُعاقَب بالضرب، ولكن قبل الضرب علينا أن نحبِّبه في الصلاة ونعلِّمه بفوائدها وأهميتها ونحبِّبه في الله سبحانه وتعالى الذي أمرنا بالصلاة، فإذا أصرَّ الولد على عدم الصلاة يعاقبه بالضرب، ولكن يظل الضرب مقيَّدًا بالشروط التي حدَّدها الرسول الكريم، وهو: عدم الضرب على الوجه والبطن والرأس، وعدد الضربات ثلاث ثم تكرَّر، والعصا التي يُضرَب بها... إلخ.
وإذا ما استعرضنا الخطوات السابقة، ونشأ الطفل في بيئةٍ صالحةٍ واهتمَّ والداه بكل ما ذكرناه وكانا قدوةً له في المحافظة على الصلاة، فإنه من الصعوبة ألا يرتبط الطفل بالصلاة ويحرص عليها، خاصةً مع التشجيع المعنوي والمادي والتحبيب فيها.
- وبعد العاشرة يهتم المربِّي بتعليم الولد أحكام صلاة الجماعة ومحاولة فهمهم لخطبة الجمعة، ويمكن للأب أو الأم أن تسأل ابنها بعد عودته من صلاة الجمعة عن المعاني التي وردت في الخطبة حتى ولو حديث أو أي معنى؛ حتى يصغيَ إلى الخطبة التي تليها وينتبه للمعاني التي سمعها.
- كذلك صلاة السنن، مثل سنة الفجر وركعتين بعد المغرب، ويُفهَّم أنها لجبر الفريضة، كذلك الوتْر، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يُعلِّم أنسًا- رضي الله عنه- صلاة الاستخارة رغم صغر سنه.
- الاهتمام بصلاتي الفجر والعشاء في هذه المرحلة، وتعويد الطفل على المداومة على كل الفرائض مهما كانت الأسباب، خاصةً أثناء الامتحانات، يمكن أيضًا أن يصليَ صلاة الحاجة أيام الامتحانات حتى ييسر الله له ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32).
تعريفه بأهمية إتقان الصلاة والخشوع فيها وعدم الالتفات، فإنه لا يُكتب من صلاته إلا ما عَقَل منها:"إن العبد إذا قام إلى الصلاة فإنه بين عيني الرحمن، فإذا التفت، قال له الرب: يا ابن آدم إلى من تلتفت إلى خير لك مني؟ ابن آدم أقبل على صلاتك فأنا خير لك ممن تلتفت إليه"؛ فقد يتأثَّر الطفل بهذا الحديث وتنصلح صلاته.
- الانتباه لهم في حسن إسباغ الوضوء، خاصةً في المكاره (البرد وما له من أجر عظيم).
- إذا كان الولد منشغلاً بشيء جدًّا بحيث إذا أُمر بالصلاة لا يتقنها بسبب انشغاله بهذا الشيء والتفكير فيه، مثل الجوع أو أي شيء فلنتركه يدرك حاجته ثم يصلي طالما أن هناك متسعًا من الوقت.
- إذا كان نعسانَ جدًّا ونام ولم يصلِّ العشاء فلينم ثم ليصلِّها عندما يستيقظ؛ ولذلك يفضَّل أن يصليَ العشاء في أول وقتها؛ حتى لا يغلبه النوم دون أن يصليَها.
- إذا كان الطفل يصلي ولكن قد يفوته بعض الصلوات ولا يصليها على وقتها فيمكن عمل جدول (ورقة محاسبة الصلاة) يوضع علامة (صح) إذا كانت الصلاة على وقتها و(خطأ) أو يسوِّد إذا لم يصلِّها في وقتها، وفي نهاية الشهر يرى منظر الورقة بيضاء أم سوداء، ويحاول تدريجيًّا تحسين منظر الورقة وحرصه على الصلاة في وقتها، مع تشجيعه بالهدايا البسيطة والمحبَّبة له.
- يمكن للأب أن يأخذ أبناءه الذكور معه عند كل صلاة في المسجد والبنات جماعة مع أمهن، بالنسبة لمَن هو أكثر من عشر سنوات، وقد يترك الولد بعض الصلوات ولا يصليها في وقتها عمْدًا، فنشرَح له أهمية الصلاة وفائدتها، وأنه يمكنه أن يستعين بها لقضاء أموره المستشكلة عليه.. ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: من الآية 45)، ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ (البقرة: من الآية 45)، وأن يُشكر الله على قضاء حوائجه (سجدة شكر).
- إذا فاتته الصلاة ناسيًا فليصلِّها عند ذكرها، وإن فاتته تكاسلاً فلنعلِّمْه إخراج صدقة من مصروفه ولو بسيطة مع الاستغفار "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
على الوالدين أن يتفقا على الخطوات السابقة ويتعاونا معًا ليكونا قدوةً للطفل في كل لحظة.
وأخيرًا.. فلنكثر من دعاء إبراهيم عليه السلام ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ (إبراهيم: من الآية 40).. آمين.