الجميع يدرك ما قدمه المجاهدون العرب في البوسنة ، دون أن يطلبوا ثمنا من أحد ، فقد قدموا أغلى ما يملكه الانسان بعد الايمان وهي النفس ،التي لا تقدر بثمن ،سوى ما وعد به الرحمن عباده المجاهدين ، الذين منهم من قضى نحبه ،وهو يدافع عن المستضعفين من النساء والأطفال في وجه الابادة التي استهدفت الاسلام والمسلمين في البوسنة . حيث أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس،و لذلك شرع الله الجهاد لحماية الدين رغم ما في ذلك من القتل وفقد الاعضاء ، فحفظ الدين مقدم على حفظ النفس في شرع الله .
الدور الذي قم به المجاهدون يعلمه الجميع ،بما في ذلك الاعداء . لكن لا أحد يعلم ما المصير الذي ينتظر من تبقى من المجاهدين في البوسنة بعد أن انقطعت بهم السبل ،وما الذي ينتظر أكثر من 400 طفل من أبنائهم بعد طردهم لا سمح الله .
ضحايا دايتون :
بعد توقيع اتفاقية دايتون في 21 نوفمبر 1995 م كتب أحد المسؤولين الدوليين في صحيفة ، دنيفني أفاز، البوسنية ، وكذلك بعض الكتاب في الصحف ،إضافة لبعض وكالات الأنباء تعليقات على خروج بعض الصرب من المساكن التي أقاموا فيها أثناء الحرب بعد تهجير أصحابها المسلمين ، أو خرجوا منها لأنها ضمن حدود الفيدرلية البوسنية بأنهم ( ضحايا ) وقارنوا بين أولئك الصرب الذين غادروا منازل ضحاياهم أو حتى منازلهم طواعية ، ونبشوا قبور موتاهم لينقلوا عظامهم معهم ،حيث توجهوا إلى مناطق الكثافة الديمغرافية لصرب البوسنة .
قارنوا ذلك بعمليات تهجير المسلمين أثناء الابادة التي استمرت من 6 أبريل 1992 م وحتى ما بعد 21 نوفمبر 1995 م . وقالوا أن " المسلمين كانوا ضحايا الحرب ،أما الصرب فهم ضحايا السلام "! لكن الحقيقة هي أن البوشناق المسلمين كانوا ضحايا الحرب ،أما ضحايا السلام فهم العرب أو قل المجاهدين العرب . فقد نصت اتفاقية دايتون على حل كتيبة المجاهدين العرب وإخراجهم من البوسنة . وهو ما تم بالفعل ، ولم يبق في البوسنة سوى من تزوج من بوسنية وله منها أطفال ، ولا يستطيع العودة لبلاده لأن نظامها السياسي يعتبره ارهابيا ، ما دام شارك في الحرب التي فرضت على المسلمين في البوسنة . وقد دافع الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش 1925 / 2003 م بكل شجاعة وحزم عنهم طيلة فترة حكمه . دافع عنهم في وجه الضغوطات ، ورفض تسليم أي منهم لأي جهة كانت وباسم القانون ، لأنه لا توجد أدلة على تورطهم في أي أعمال ارهابية أو ما شابهها . لكن رحيل الرجل المفكر والسياسي غير الاوضاع في البوسنة .
تجريد العرب من الجنسية :
كان أول عمل قامت به القوى المناهضة للعرب في البوسنة ،وهي الصرب و الكروات والشيوعيون وبعض الجهات الدولية مثل نائب المبعوث الدولي رافي غريغوريان ،هو تشكيل لجنة لسحب لجنسية البوسنية من العرب الذين حصلو عليها أثناء وبعد الحرب . وقد تم تشكيل اللجنة في نهاية 2005 م لمراجعة نحو 1500 شهادة جنسية تم سحب نحو 700 شهادة منها حتى الآن . ولم يسلم من ذلك حتى الشهداء ، بل كانوا معنيين بالدرجة الأولى وبالتالي فالقضية لا تتعلق بالارهاب ، وإنما الانتقام والتشفي من الدور الذي قام به المجاهدون في الحرب . وهو المساهمة في منع ابتلاع البوسنة من قبل صربيا وكروتيا ، ومنع قتل المزيد من الضحايا والمزيد من المغتصبات والمزيد من التدمير والهدم الذي قضى على 70 في المائة من البنية التحتية وطال أكثر من 1400 مسجد .ومن بين من سحبت منهم شهادات الجنسية قادة المجاهدين الشهداء نحسبهم ، وهم المهندس الشيخ أنور شعبان ،والدكتور أبو الحارث الليبي ، محمد يوسف ،القائد الاسبق للمقاتلين العرب ، ومحمد حسني ، أبو الشهيد التونسي وجمال أبو المعاطي المصري وآخرون .
وقال الناطق السابق باسم المجاهدين العرب أبو حمزة السوري " للمسلم " " سحبت الجنسية حتى من الذين انتقلوا إلى لقاء ربهم وهم يحملون أجسادهم المثقلة بجراحهم ،ودمائهم التي قدموها قرابين لله تعالى لمساعدة إخوانهم المسلمين في حرب الابادة التي تنكر فيها الغرب لهم ولم يقف معهم إلا إخوانهم من الدول الاسلامية والعربية دولا ومؤسسات وهيئات وأفراد ".
وكانت هناك محاولات سابقة لترويع العرب ودفعهم للخروج من البوسنة من خلال سد أبواب الرزق في وجوههم ، ومن خلال الحملات الاعلامية ضدهم وتضخيم الأخطاء ووضعهم تحت المجهر باستمرار. ومن أخطر الأكاذيب الاعلامية والتخرص ضد المجاهدين العرب ما ذكرته صحف ومواقع انترنت كرواتية وصربية في شهر مايو 2008 م وهي أن ضربات 11 / 9 في نيويورك "خطط لها في البوسنة "وهو ما سارع نائب المبعوث الدولي إلى البوسنة ،رافي غاريغوريان ،نفسه إلى تكذيبه . ويأتي كل ذلك في إطار محاولات لتضليل الجهات السياسية والامنية لتكرار خطيئة اعتقال 6 جزائريين ونقلهم من البوسنة إلى غوانتانامو سنة 2002 م بتهمة فندها القضاء البوسني وهي تهديدهم للسفارتين الاميركية والبريطانية في سراييفو .
ومن تلك الأساليب أيضا مضايقة المؤسسات الخيرية الاسلامية والضغط على الحكومات العربية لتجفيف منابع تمويلها .وخضعت دفاترها ومصادر وقنوات تمويلها للمحاسبة الدقيقة وتجاوز ذلك إلى حد البحث عن المبررات لاغلاقها حتى وإن كانت تلك المبررات واهية . ووصل الأمر إلى قيام الآف بي آي في مايو 2007 م بتفتيش مقار هيئات إغاثية ومنازل موظفيها بحثا عن " أسلحة كيمياوية " !!!
وكان الهدف من ذلك كله هو الازعاج والمضايقة ، ومن بين المؤسسات التي تم تفتيشها و( الاعلان ) عن براءتها ،مؤسسة ، يو تي إن ، الباكستانية ،ومؤسسة طيبة انترناشيونال ، وغلوبال ريليف فونديشن .
العدالة السياسية :
لم يقف المجاهدون العرب مكتوفي الايدي ،فقد قدموا كل الوثائق التي طلبت منهم للحفاظ على حقوقهم في الجنسية البوسنية وفق القانون ، لكن ذلك لم يحميهم من العدالة المسيسة ، فنقلوا ملفهم إلى محكمة حقوق الانسان في ستراسبورغ . وقال وزير حقوق الانسان والمهجرين البوسنيين صافت خليلوفيتش " للمسلم "هناك نحو 400 شكوى ضد البوسنة أمام محكمة حقوق الانسان الاوروبية "وقال الوزير البوسني أن " هناك من يريد إعطاء صورة سلبية عن البوسنة ومؤسساتها المختلفة وبعض مكوناتها الاثنية بسبب ملف حقوق الانسان ، ولا سيما الجنسية الممنوحة للعرب في البوسنة " . وقال عماد الحسين ( أبو حمزة السوري ) نائب رئيس " جمعية أنصار " العربية والناطق بإسمها ، في اتصال هاتفي أجراه معه "المسلم " أن "جميع الذين سحبت منهم الجنسية البوسنية تقدموا بشكاوي إلى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان منذ شهر أكتوبر الماضي " . وقال رئيس " جمعية أنصار " التي شكلها المجاهدون بعد حل كتيبتهم ، أيمن عواد " للمسلم " " قضية المقاتلين العرب أصبحت الشغل الشاغل وكأنه لا توجد معظلة أو مشكلة تحتاج للحل ، عدا قضية العرب ، وكأنها القصة الأولى والأخيرة " . ويخشى المجاهدون من أن يتم طردهم سرا كما حصل مع الجزائري فائز الجزائري ، ميمون عطاء ( 37 عاما ) حيث تم تسفيره سرا للجزائر في وقت سابق .
وقال رئيس اللجنة البوسنية للتدقيق في شهادات الجنسية دراغن ميكتيتش ( صربي ) " للمسلم " "هناك استعدادات لطرد من سحبت منهم الجنسية البوسنية " وتابع " لا يمكنني الحديث عن عدد من سيتم ترحيلهم ، ولكن ذلك سيجري وفق المتطلبات الأمنية للبلاد " . وعن عدد الجنسيات التي تمت مراجعتها قال " اللجنة راجعت العام الماضي 1255 شهادة جنسية ، وسحبت 661 من تلك الشهادات التي حصل عليها أصحابها في الفترة ما بين أبريل 1992 وديسمبر 1995 م. وأغلب من سحبت منهم الجنسية ينحدرون من أصول تركية وعربية مثل الجزائر ومصر والسوادن وسوريا ". وأشار إلى أنه " في الفترة ما بين أبريل 1992 وحتى ديسمبر 1995 م حصل 18،506 شخصا على الجنسية البوسنية ".
لجان الدفاع عن حقوق الانسان أعربت من جهتها عن قلقها الشديد من الوضع الحقوقي في البوسنة ومن ذلك المنظمة العربية للدفاع عن حقوق الانسان التي استنكرت بدورها سحب الجنسية وعمليات التسليم بما في ذلك الجزائريين الستة الموجودين في غوانتانامو ،والاتهامات بالارهاب بدون أدلة وجاء في بيان للجنة حصل " المسلم " على نسخة منه "إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تطالب الحكومة البوسنية باحترام دستورها والتزاماتها الدولية، ووقف الترحيل الاعتباطي ونزع الجنسية خارج القضاء، مع ما ينجم عن ذلك من تضحية بمئات العائلات بدعوى الحرب على الإرهاب وحرمان الضحايا من حق النقض والاعتراض، في إجراءات أمنية خارج نطاق القضاء ".ويجد الناطق السابق باسم المقاتلين العرب أبو حمزة نفسه في وضع لا يحسد عليه ، حيث لا يزال مهددا بالطرد ،وهو غير متأكد من موقف المحكمة الدستورية التي ينتظر أن تصدر حكمها قريبا بخصوصه . وهناك تفاؤل يشوبه الحذر بعد اعتذار واشنطن له للخلط بينه وبين أبوحمزة المصري في تقريرها السنوي عن الارهاب . وكان آلاف من الشعب البوسني قد نظموا في فبراير الماضي مظاهرات ضد مساعي طرد أبو حمزة على إثر سحب الجنسية البوسنية منه . *
وكان تقرير لمنظمة أميركية تدعى " فورد بوليتيكس فوتش "قد ذكر أن "المد الاسلامي يتصاعد في البوسنة "وركز التقرير على ما وصفه بالاصولية أو الوهابية ،( حسب تعبيره ) لكن التقرير أشار إلى أن أكثر من 70 في المائة من البوشناق في البوسنة والذي يتجاوز عددهم المليونين ونصف المليون ، "مسلمون معتدلون " في حين أن " 13 في المائة يؤيدون التيار الوهابي "على حد وصف التقرير . ورصد التقرير عملية تشييع جنازة شخص أثار جدلا كثيرا قبل وفاته في حادث مرور وهو يوسف باريتشا حيث " شارك في جنازته 3 آلاف سلفي "معتبرا ذلك دليلا على تنامي هذا التيار، الذي يتهم المجاهدون العرب بتشكليه أثناء وبعد الحرب . وهو ما يفسر جانبا من الحرب ضد وجودهم في البوسنة ، إذ أن الثقافة والوعي وإحياء الامة وليس الارهاب هو ما يخشى منه البعض .
*****
• قدم إلى يوغسلافيا السابقة في سنة 1983 م للدراسة ، وفي 15 سبتمبر 1992 م انضم لحملة الدفاع ضد الإبادة التي تعرضت لها البوسنة ، لشعوره بالظلم المسلط على الضحايا ، وفي 24 ميو 1993 م تزوج من بوسنية ، وكفل أبناءها الثلاثة ، بعد استشهاد والدهم ، وفي 22 نوفمبر 1994 م وبوثائق نظامية ووفقا للقانون حصل على الجنسية البوسنية . وفي 14 نوفمبر 2001 م وبعد أحداث 11 سبتمبر سحبت منه الجنسية ، ومن ذلك الوقت بدأ الكابوس الذي يلازمه حتى الآن . وفي 7 يونيو 2006 م إستعاد أبو حمزة الجنسية البوسنية بعد معاناة شديدة . وفي 9 يناير 2007 م ، سحب مجلس الوزراء الجنسية منه مجددا من أبو حمزة ، بدون منح حق الاعتراض .
* ملاحظة هامة : ليس للمسلمين البوشناق في البوسنة ، أي يد فيما يجري للمجاهدين العرب . بل يخشون بدورهم من الاتهامات التي تطالهم . فهناك قوى اثنية ودولية تقف وراء معاناة العرب في البوسنة . والمسلمون يحاولون ايجاد مخرج دون صدام مع تلك القوى المدعومة . ويحز في نفس المسلمين ما يسمعونه ممن لا يعلمون حقيقة الأوضاع في البوسنة ،فيتهمونهم بالتخلي عن العرب ، والتنكر لتضحياتهم وقلب ظهر المجن لهم . لعل هذه الملاحظة تغير نظرة البعض .. وشفاء العي السؤال ...