تابعتُ بأسًى محاولات السيد فاروق حسني في تسويق نفسه للترشح لمنصب مدير عام اليونسكو، والاعتذار عن تصريحه بحرق الكتب "الإسرائيلية"، الذي وصل إلى درجة مذلة لشخصه وللوزارة التي يشارك فيها، بل ولمصر كلها.
وأول ما يتبادر إلى ذهن الرجل العادي بعد تلك التصريحات وكم الاعتذارات هو الشك في أن منظمة اليونسكو منظمة "إسرائيلية" وليست أممية، وأن السيد فاروق حسني سيمثل "إسرائيل" فيها!!؛ فتارةً يصرِّح بأنه قالها في ظروف خاصة ردًّا على استفزازات أحد النواب، وتارةً يصرِّح بأن التعبير الذي استُخدم كان مجازيًّا، بل إن السيد الوزير المشتاق لتولي منصب مدير اليونسكو زاد الطين بلة حين صرَّح في حواره مع جريدة (يديعوت أحرونوت) وبغير داعٍ، باستعداده للذهاب إلى "إسرائيل" لعلها ترضى عن ترشيحه وتوقف حملاتها ضده.
وكنت أتمنَّى أن يصرِّح السيد الوزير بأنه مستعد لزيارة "إسرائيل" للاعتذار عن الكتب "الإسرائيلية" التي لم تُحرَق بشرط أن تعتذر "إسرائيل" عن حَرْق المصاحف وحرق بيوت الفلسطينيين العزَّل، بل وحرق الأطفال والنساء في بيوتهم بدم بارد، وهي جرائم حرب تتكرر في اليوم والليلة، حتى على ما يبدو قد ألفها السيد الوزير المشتاق فلم نسمعه مستنكرًا أو شاجبًا تلك الأفعال.
ولعل السيد الوزير وهو يقدم آيات الاعتذار يتذكر إخوانه المحاصرين في غزة، فيطالب الحكومة "الإسرائيلية" بفك الحصار عن أهلنا في غزة، وهي جريمة حرب أخرى تخالف كل القوانين والأعراف الدولية، واللافت للنظر أن النفوذ "الإسرائيلي" لدى المسئولين المصريين والعرب قد بلغ مستويات مخجلة وصلت إلى حد إرضاء "إسرائيل" حتى ولو كان على حساب الثوابت العربية.
وقد أعجبني عمرو موسى حين ترك قاعة أحد المؤتمرات في الأردن احتجاجًا على كلمةٍ لشيمون بيريز أراد أن يلويَ بها الحقائق، وإن كنت أتمنى أنْ لو كان امتنع عن الحضور أصلاً احتجاجًا حتى يرفع الحصار عن غزة.
وقد كنت أعتقد أن ذاك النفوذ القوي لليهود قاصر على السادة الوزراء الذين باع أحدهم الغاز لـ"إسرائيل" بأبخس الأثمان، ولكن فوجئت وأنا أشاهد حديثًا للرئيس حسني مبارك مع التليفزيون "الإسرائيلي"، وبعد أن وجَّه المحاور سؤالاً إلى الرئيس، يتردد في الإجابة عليه، ثم انتظر برهةً ثم قال: "لو جاوبت على السؤال وكان عن إيران حتزعلوا مني وأمريكا حتزعل"!!، فقلت في نفسي: إن كان هذا هو حال الرئيس، فما بالنا بالوزراء؟! وأيقنت أننا نعيش الزمن اليهودي.
ولا شك أن الذي يشرِّف مصر ويُعلي قدرها بين الأمم أن تُعليَ من قيمة الفرد والمواطن، وأن تحترم الديمقراطية، والحريات وحقوق الإنسان، وتحترم الدستور والقانون، وتمنع احتكار السلطة والثروات؛ فهذا أفضل بكثير في نظر العالم من المحاولات المذلِّة للمسئولين للمنافسة على مناصب أممية، وشعوب الأرض تنظر إلينا نظرة تدنٍّ واحتقارٍ.